بين سيمبا و موفازا

في البداية أود التوجه بالشكر الجزيل للأخ العزيز عامر الهلال على دعوته الكريمة للكتابة في مدونته التي يُطلق عليها اسم ديوانية المدونين , و في الحقيقة كنت مترددا للكتابة في مدونة هلالية كون أغلب قراءها اعتادوا على قراءة المواضيع المكتوبة باللغة الانجيليزية , و لكني قلت لنفسي اكتب يا ولد واللي فيها فيها , شكرا مرة أخرى

lionking.jpg

منذ قدوم ابنتي سلمى الى هذا العالم و أنا أحاول جاهدا تجاهل دخولي عالم الأُبوّة و الابتعاد المتعمد عن التصرف كـ رب أسرة حاله حال بقية الآباء , ربما كان السبب في ذلك احساسي العميق بأني لا أزال شاب مراهق يعيش الحياة بحرية و بلا التزام , و عادة ما تبدأ المعركة قبل موعد السفر مع زوجتي – و حماتي – كوني كنت أرفض رفضا تاماً اصطحاب سلمى معنا في السفر قبل بلوغها سن الخامسة نعم , أنا أريد أن اكون الطير الحر الذي لا يضطر الى دز العربانة أو التوقف عن التجول في المجمع التجاري لاطعام ابنته في موعد وجباتها الخاصة أو أخذها الى الحمام استجابة لنداء الطبيعة , و لكن ماذا أقول ؟ فقد نجحت المدام – و حماتي – في اجباري على اصطحاب سلمى لرحلتي اللندنية الأخيرة لا أنكر بالطبع أن السفر لأول مرة كـ أب له متعة خاصة لم أكن أشعر بها من قبل , فمتابعة و ترقب ردة فعل الأطفال و هم يكتشفون العالم الجديد شعور ممتع فعلا , فهي لأول مرة تشاهد حديقة , و لأول مرة تشاهد شوارع التسوق , و لأول مرة تشاهد حيوانات غير مألوفة في بيئتنا الصحراوية كالسنجاب و البجعة و البط و الغراب و بما أني أحد هواة العروض المسرحية , فقد كان لا بد لي من أصطحابها الى مسرحية ليون كنج المعروفة , و قد كانت المسرحية ممتازة للاطفال من خلال الأغاني و الرقصات و الألوان و الديكورات و الشخصيات , الا أنني كنت طوال العرض مشغول عن بطل المسرحية سيمبا لمراقبة تفاعلات العلاقة بين الأبناء و الآباء بين الحضور و قد لفت نظري أحد الآباء الذين كانوا يجلسون في الصف الأمامي , فقد كان هذا الأب متحمسا للمسرحية أكثر من طفله , يفتعل الضحك بصوت عالي و يفتعل التفاعل مع أقل حركة لأي ممثل على المسرح محاولا لفت نظر ابنه لاستيعاب لحظة السعادة – الرائعة – التي يعيشونها معاً , لا أنكر أنني في البداية استهجنت ازعاج هذا الأب و كنت أود أن أقول له هوِّن عليك , فهذه مسرحية أطفال و الجميع يعرف القصة , حاول أن تقلل من الأكشن رحم الله والديك , الا أنني بعد تقمص شخصية سيجمونت فرويد أحسست بأن هذا الأب انسان مشغول في العمل طوال الوقت و هو لا يرى ابنه بالقدر الكافي مما يجعله يشعر بالذنب , و بالتأكيد سيحاول أن يستغل المسرحية للتقرب الى ابنه و مشاركته فرحته قبل أن ينتهي الويك إند و يعود كل منهم لمشاغله الخاصة و القطيعة لا أخفي عليكم أنني شعرت بالحزن قليلا عند هذه اللحظة , فقد بدأت أفكر بالانسان و حياته , فهو يقضي النصف الأول من حياته يقاتل للهرب من سلطة الآباء و يتذمر من سيطرتهم , و فور النجاح في التخلص منها و التمكن من استنشاق هواء الحرية و الاستقلال يتزوج الانسان , و ينجب الأبناء , ليجد نفسه فريسة فخ آخر و هو ارضاء الأبناء و الخضوع لهاجس التقصير عليهم و الشعور بالذنب الأزلي ان تعرضوا لمكروه بسببه هذا هو الانسان و هذا قدره , أما بالنسبة لـ سلمى , فقد استمتعت بأول ربع ساعة من المسرحية ثم استسلمت لسلطان النوم العميق , و لا عزاء للميتين باوند

5 thoughts on “بين سيمبا و موفازا

  1. جميل جدا تناغم قصتك مع قصة المسرحية مع قصة الأب الآخر
    و مع أن نظرتك لموضوع الخروج من سجن البنوة للدخول بسجن الأبوة غاية في المنطقية
    فأنا ما أزال أظن، أنه ليس هناك معيار محدد للأبوة فهي علاقة حالها حال العلاقات، فلا نستطيع أن نؤشر بأيدينا على أحد لنقول هذا مثال الأبوة
    لا أراها إلا حالة انسجام فيها الأخذ و العطاء
    أحب أعرف آراء الأطفال، ولد اختي أول ما مشى بالبحر، قام يدور ريوله، و يسأل: وين زولية البحر؟
    استمتعت بالقراءة

  2. لامست افكاري بتناولك هذا الموضوع و وجعت قلبي في آنٍ واحد !
    مسالة الابناء هي مسألة في كل يومٍ وليلة اضعها على طاولة التشريح و تحت المجهر ، فهل انا ملزم بأن اتولى مسؤولية انسان استطيع ان اكون في غنى عنها ؟ سؤال قد يراه البعض من منظور الأنانية و حب النفس ، و يراه آخرون من منظور الاستقلالية و عدم احساس الفرد بانه مسؤول عن غيره … في هذه القرارات لا يوجد قرار صائب و آخر مخطئ ، فأنتَ من تحدد لنفسك ” ماذا تريد ” و ان اردت انا و المدام ” التي لم تأتِ بعد ” عدم الخلفة ، فهل ستصفق لي يا مطقوق على هذا القرار ؟

  3. لا اخفي عليك اخوي جمال قلمك
    وانسياب الافكار وترابطها -يعني مشروع روائي-
    بس اعجبتني فكرة السعي للحرية من الاباء وبعدها السقوط في مستنقع الابوة
    تسلم افكارك

  4. موضوع رائع و الصراحة انت صورت واقع الآباء عندنا للسف الكل يفكر بنفسه و بس ، اعاني من نفس المشكله مع زوجي انه يفضل ان نكون بدون ابناء عشان يبي يستانس !!!
    بس هم عليك بالعافية و اهم شي حبيبتي البنوته نامت و ما اذتكم

Comments are closed.